مشاركة المرأة السورية في السياسة

مشاركة المرأة السورية في السياسة

بين التمثيل الشّكلي والتأثير الحقيقي

طوال سنوات الصراع في سوريا، لعبت المرأة السورية أدوارًا متعددة في ميدان الثورة والسياسة، منها ما كان مباشرًا وميدانيًا، وأخرى امتدت داخل أروقة التجمّعات السياسية. 

ملايين السوريين عانوا ولا يزالون من ويلات النزاع الاجتماعية والاقتصادية والصحية وفقدان الأمان والتهديد بالقتل أو الاعتقال أو التهجير. وفي كل مرة كانت معاناة المرأة السورية تبدو أكبر، لأنها من ناحية تواجه ما يواجهه الرجال من تحديات، ومن ناحية أخرى تتحمل أعباء إضافية كأم أو زوجة أو فئة ضعيفة يتم التعديل على حقوقها أحيانًا بشكلٍ أو بآخر.  

إن التمييز أو الظلم الواقع على المرأة في مجتمعنا كأم وكأخت وكابنة، كحرمانها من حق الميراث، أو عدم تعليمها وبالتالي تركها فريسة للمحن والصعوبات في حال عدم وجود المعيل، وغيرها من العادات أو القيود الاجتماعية تضع المرأة في وضع صعب اجتماعياً واقتصادياً.

كما أن تحديات المرأة حين تصبح المُعيل الوحيد للأسرة بعد اعتقال أو قتل زوجها، وحين تكون مسؤولة عن إطعام أسرة بينما تعاني من الفقر الشديد، يجعل من الضروري العمل على رفع هذا الظلم وتمكين المرأة من عيش حياة كريمة.

هذه المعطيات جعلت النساء السوريات حريصات منذ بداية الصراع على المشاركة في الثورة. فانخرطت النساء في الأجسام السياسية التي تخدم أهداف الثورة وتطالب بحقوق السوريين، وحاولت الوصول إلى مراكز صنع القرار، واستفادت من الأصوات الأممية التي دعت إلى الاهتمام بتمثيل النساء في الحياة السياسية. 

تحديات أمام السوريات في ميدان السياسة

ورغم الكثير من المحاولات، واجهت السوريات العديد من التحديات التي لا تزال قائمة أبرزها: 

  • ترى بعض السوريات أن مشاركتهن في الحياة السياسية ليست فعّالة، لأن صناع القرار غالبًا هم مَن يختارون الكوادر النسائية المشارِكة ضمن التشكيلات السياسية، فيكون وجودهن بهدف ملء فراغ أو إكمال عدد. 
  • رغم نشاط السوريات في اللجان والهيئات السياسية، لم تصلن إلى الأدوار القيادية العليا لأية لجنة. 
  • الاعتماد في تجربة المفاوضات على مبدأ المحاصصة والتوافقات أكثر من اعتمادها على الكفاءات، ما أثّر بشكل مباشر على مشاركة النساء المؤهّلات. 
  • في كثير من الحالات، ساد تنميط الأدوار، وبقيت النساء حبيسة مهام معينة تُطلب منها، ومهام أخرى لا يسمح لها المشاركة فيها بفعالية. 
  • العديد من التجمعات النسائية التي قامت بتشجيعٍ من المجتمع الدولي، خرجت إلى العلن بسرعة، دون أن تستند على أسس إدارية متينة، ما جعلها عرضة للانهيار وفقدان الفعالية.
  • قلة الوعي بدور المرأة الحقيقي في المجتمع السوري وبين السياسيين، تجعل وجود النساء ضرورة تمثيلية كنسبةٍ مئويةٍ، وليس لاقتناع حقيقي بأهمية وجودها.

ورغم هذه التحديات وغيرها، استمرت النساء بالمحاولة، وحصلن على تمثيل ما يقارب من 30% في اللجنة الدستورية، لكنّ نسب التمثيل في مجلس الشعب ومجالس الإدارة المحلية تتراوح بين 3-10% على أحسن تقدير. 

لماذا من المهم زيادة دور النساء في الحياة السياسية وبناء السلام؟ 

بناء السلام والمستقبل وتصميمه من وجهة نظر الرجال فقط سيبقى منقوصًا، وبدلًا من الانشغال بإنهاء القضايا الأساسية للمجتمع، ستبقى النساء عالقات في المنتصف. 

فلا هنّ حصلن على حقوق كاملة واعتراف بأدوارهن الرئيسية، ولا هنّ قادرات على الاستمرار بدعم الرجال الذين صمموا ونفذوا، ولا يمكن تخيل مستقبل المجتمع بتمثيل نصفه فقط!

غياب دور النساء سيترتّب عليه الكثير من المشاكل والشّرخ مستقبلاً، وسيُضعف حقوقهن من خلال ما يخرج عن التّشكيلات السياسية من قراراتٍ تخصّ كل السوريين. 

توصيات للخروج من الأزمة

كل المعطيات السابقة تؤكد أن الإصلاح يجب أن يأتي من اقتناع المجتمع بفئاته كافة بأهمية تمثيل النساء في الحياة السياسية. 

فيجب على المؤسسات النسوية تطوير تنظيماتها وأدائها، ويجب على التشكيلات السياسية استيعاب نساء مؤهلات وخبيرات ذوات ثقل سياسي وشعبي في داخل سوريا ومناطق اللجوء والمخيمات، وصياغة دور حقيقي للنساء نابع من النساء السوريات، وغير مستورد من الخارج.

ومن المهم أيضًا تطوير البرامج الموجهة للنساء، لتساهم في تحقيق نتائج فعلية على أرض الواقع. 

“مضمار” تدعم تمكين مشاركة المرأة السورية في الحياة السياسية

هذه التوصيات تترجمها “مضمار” كمؤسسة تنموية من خلال برامج عملها. 

ومن واقع إيماننا أن المجتمعات يمكنها أن تقود التغيير بأنفسها، عملنا خلال سنوات وتحديدًا عام 2021 على تخصيص برامج لتمكين المرأة، لتكون قادرة على المشاركة السياسية الهادفة في عمليات السلام ورفع صوت المجتمع. 

وفر برنامجنا للمرأة السورية الأدوات المناسبة لتوسيع نفوذها، بما يؤهلها للانتقال من دورها الاعتيادي في المنزل والمجتمع المحلي، إلى دور أكبر ومستوى أعلى كالمشاركة في العملية السياسية. 

فهناك مزيد من الجهود يجب بذلها لحماية المجتمع السوري بفئاته كافة، ودعم تنفيذ نتائج المفاوضات، وبالتالي ضمان المشاركة البناءة والفعالة للمرأة في تنفيذ اتفاقيات السلام.

ومن واقع عملنا، شعرنا بمدى ضعف الكوادر السورية المؤهلة لمناقشة القضايا المهمة، خاصة من النساء. كما أدى الصراع إلى التقسيم الطبقي في التمثيل السياسي وخاصة فيما يتعلق بالنظرة نحو المرأة. 

حاولت “مضمار” من خلال برامجها تعزيز الوصول إلى كوادر تمثل المرأة كماً ونوعاً، ورفع الوعي الاجتماعي والسياسي للمجتمع حول أهمية المشاركة السياسية للمرأة، بآليات وأدوات نابعة من النساء السوريات أنفسهن، وليس من خلال قوالب جاهزة من الخارج.

شاركت معنا عشرات السيدات والمدربات والمدربين والخبيرات، والتحقت النساء برحلة تعليمية من 120 ساعة، في برنامجنا الأخير عام 2021، على أمل خلق نتائج حقيقية على أرض الواقع. 

ومن خلال برامج تعزيز مشاركة المرأة في عملية السلام السياسي في سوريا، تعمل “مضمار” على تعزيز توفر المعلومات حول مختلف احتياجات المرأة السورية وأولوياتها وتطلعاتها المتعلّقة بعملية السلام، وتعزيز قدرتها على المشاركة الفعالة من جانب القيادات النسائية السورية التقليدية والناشئة. كما عملنا في برامجنا على زيادة التعاون بين النساء السوريات داخل سوريا وخارجها في لبنان وتركيا. 

وكما أعادت الثورة الأمل للسوريين ببناء مجتمع أفضل -رغم الثمن الباهظ المدفوع-، تتمسك النساء بآمالهن الخاصة بإيجاد مكان أفضل في الحياة السياسية التي تؤثر على مختلف جوانب الحياة. عسى أن تجد أمهاتنا وأخواتنا يوماً ما حياة أفضل، ومستوى جيد من تقاسم أعباء الحياة مع الرجال، والمشاركة في القرارات، لأنهن من يؤثر ويتأثر بهذه القرارات.

مصادر:

ملف التقرير السنوي

مشاركة المرأة السورية في العملية السياسية السورية

Women pay the highest price in the Syrian conflict

المشاركة السياسية للمرأة بعيون السوريين

دراسة حول مشاركة المرأة السورية في العمل السياسي

Leave a Reply

Your email address will not be published.Required fields are marked *