ريادة الأعمال في ظل الأزمات المتراكمة في سوريا

ريادة الأعمال في ظل الأزمات المتراكمة في سوريا

كل عام تَصدر تقارير تتحدث عن ريادة الأعمال في المنطقة العربية، والأثر الذي تحققه، والأرباح التي يجنيها الشباب من شركاتهم وأفكارهم المبتكرة، أو التي وجدت حلولًا لمشكلات لطالما عانت منها مجتمعاتهم. 

دولة الإمارات ومصر والسعودية من الدول التي تتصدر القوائم، لكن الدول التي يسيطر عليها الصراع تبدو غائبة بشكل كبير، رغم اشتداد حاجتها إلى ريادة الأعمال. 

ما هي ريادة الأعمال؟ 

ريادة الأعمال هي القدرة على تطوير، وتنظيم، وإدارة مشروع تجاري صغير، مع الأخذ بعين الاعتبار المخاطر التي قد تحصل، والاستعداد للتعامل مع التحديات، وتحقيق الأرباح. بمعنى أن رائد الأعمال يجب أن يفكر في تمويل مشروعه، ويتخذ قرارات تصبّ في مصلحته، ويدرس السوق جيدًا ويبحث عن أشكال دعم مختلفة.

وريادة الأعمال مصطلح ارتبط ببدء مشاريع خاصة تحقق أهدافًا ربحية ومجتمعية، في ظل الظروف الصعبة التي تغلب على معظم المجتمعات. أي أن روّاد الأعمال غالبًا ما ينطلقون من بيئات صعبة، ويفكرون بطريقة مبتكرة لينجحوا. 

هل يستطيع رواد الأعمال فعلًا العمل في بيئات غير مستقرة؟ 

هناك مَن يعتبر أن رواد الأعمال قادرون على النجاح أسرع في الدول المستقرة سياسيًا واقتصاديًا، لأن المجتمع ومؤسسات الدولة لن تقف على الأقل في وجوههم، وستقدم لهم الدعم. 

فريق آخر يرى أنه لولا عدم استقرار الأوضاع، ما كان الشباب ليندفع بهذا الحماس نحو أفكار خارج الصندوق، تخلق تغييرًا اقتصاديًا ومجتمعيًا. 

في “مضمار” نؤمن أن كل المجتمعات -على اختلاف ظروفها- لديها طاقات كامنة يمكن أن تخلق تغييرًا يقود إلى التنمية، لكنها تحتاج بعض الضبط أو التوجيه والإرشاد أو الدعم المادي. لذلك تجدنا نوفّر المعارف وتبادل الخبرات لمختلف الفئات المستهدفة من برامجنا، في محاولة لتشجيعهم على اتخاذ دور مسؤول كل حسب تخصصه وقدراته. 

لماذا ريادة الأعمال مهمة للشباب السوري؟

خلق فرص عمل: ففي ظل عدم وجود وظائف تقليدية شاغرة، أو وجود وظائف بظروف ومرتّبات سيئة، قد يكون التوجه إلى إنشاء مشروع خاص خطة جيدة لخلق فرصة عمل للشاب وفريقه. 

خلق تغيير مجتمعي: فريادة الأعمال ليست مفهومًا اقتصاديًا بقدر ما هي مفهوم اجتماعي أو ثقافي. المجتمعات التي ينجح فيها روّاد الأعمال، تجدها مقتنعة بأهمية هذه المشاريع، وتحاول دعمها، وتؤمن بها. 

تمكين اقتصادي: ونقصد هنا تمكين اقتصادي يشمل المجتمع ككل. فكلما نجحت مشاريع روّاد الأعمال، ستجلب أرباحًا للمجتمع، وترفع نسبة الدخل، ويذهب جزء للضرائب، وجزء لتشغيل المصانع أو مقدمي الخدمات، ما يعني نهضة اقتصادية متكاملة. 

إيجاد حلول مبتكرة: فالمشاريع الريادية التي تنجح لابد أنها بُنيت على حلٍ مبتكر، أو سهّلت أو أضافت ميزة لحل قديم متعارف عليه. مجموعة الحلول المبتكرة تؤدي في النهاية إلى تنمية مجتمعية. 

على سبيل المثال، عندما أغلقت المؤسسات التعليمية أبوابها حول العالم بسبب جائحة كورونا، فكر روّاد الأعمال بتطوير منصات التعلم عن بعد لتصبح اليوم رائجة حتى بعد انتهاء الأزمة. 

وبغض النظر عن معدلات البطالة التي تروج لها وسائل الإعلام -حسب سياساتها التحريرية- يعاني الشباب السوري من الفقر الذي طال 90% من أفراد المجتمع. 

وحتى أصحاب الشهادات الذين يحالفهم الحظ ويجدون عملًا، يتلقون رواتب لا تكاد تكفي توفير الاحتياجات الأساسية. 

تحديات أمام ريادة الأعمال في سوريا

ورغم أهمية دور ريادة الأعمال في تعزيز التنمية المجتمعية، تطفو على السطح العديد من التحديات التي خلقها الصراع السوري المسلح، والتي تقف عائقًا أمام نجاح الكثير من أصحاب الأفكار الإبداعية. 

أبرز هذه التحديات: 

  • انشغال المجتمع بالقضايا اليومية والأساسية مثل توفير لقمة العيش، والبحث عن ملجأ آمن، وغيرها من القضايا الحياتية التي لا تنتهي. 
  • عدم وجود ثقافة مجتمعية مشجّعة تثق بإمكانات الشباب الريادي وتدعمهم. 
  • غياب التمويل الجريء من المستثمرين ورجال الأعمال، وعدم الرغبة بالمخاطرة بأموالهم مع روّاد الأعمال. 
  • ضعف المعارف والخبرات الكافية عند الشباب السوري حول البدء وإدارة المشاريع الريادية. 
  • عدم وجود سياسة واضحة من الدولة تدعم الشركات الناشئة والصغيرة وتعفيها من الضرائب. 
  • ضعف إنفاق المؤسسات الدولية المانحة على مشاريع الأعمال الريادية السورية. 

وربما يكون من أبرز الآثار السلبية لسنوات الصراع في سوريا، تمزّق رأس المال الاجتماعي الذي يعد عنصرًا فعالًا في عملية التغيير والتنمية. فالأطراف المسلّحة تفرض قوانينها، والدولة لا تشجع، ورجال الأعمال لا يهتمون كثيرًا بالاستثمار مع أبناء وطنهم المبتدئين في عالم الاقتصاد لكنهم أصحاب أفكار إبداعية. 

أين المخرج؟

لابد أن يكون لكل أزمة مخرج، حتى لو كانت الطريق إليه صعبة. “مضمار” كإحدى المؤسسات المعنية بالتنمية المجتمعية، تولي أهمية كبيرة لريادة الأعمال وتمكين رأس المال المجتمعي، ودعم المؤسسات المجتمعية. 

يمكن أن يبدأ الشاب بالتوجّه إلينا والالتحاق بالدبلومات المهنية المتخصصة التي تفتح له آفاقًا عديدة بعد ذلك. كما يمكن أن نساعد في مراحل التشبيك وتوفير بيئة حاضنة لرياديي الأعمال. 

وحتى النازحين أو اللاجئين، يمكنهم دومًا إيجاد مخرج بالاعتماد على المعطيات الدولية في التعامل مع أزمتهم. فاليوم تجد العديد من الدول تريد استثمار طاقات وخبرات اللاجئين، وعدم بقائهم ضيوفًا صامتين فيها، وهذه بحد ذاتها فرصة للنازح أو اللاجئ لينطلق. 

إدراك الشاب السوري بمدى حاجته لتحقيق ذاته وتحسين ظروفه بعد ما مرّ به من ظروف قاسية، يكسر الصورة النمطية عن أصحاب المشاريع والأفكار الابتكارية، والتي يعتقد كثيرون أنهم يفقدون طموحاتهم وحماسهم بسبب حالة النزاع والصراع المستمر. 

وبشكل عام، طريق ريادة الأعمال محفوف دومًا بالتجارب الجديدة، والإخفاقات وإعادة المحاولة، وهذا ما يجعلها مفهومًا مميزًا. 

مصدر:

دوافع ريادة الأعمال في فترات الصراع واللجوء

Leave a Reply

Your email address will not be published.Required fields are marked *